تطورعلم المنطق- اسهامات الفكر الإسلامي في المنطق
يقول برتر اند ارتر وليام راسل في كتابه حكمة الغرب: "تبدأ
الفلسفة حين يطرح المرأ سؤالا عاما، و على النحو داته يبدا العلم"
ان ما يقوله راسل هنا غاية في الدقة و الواقعية، لكن الاشكال يظل في
الشروط الواقعية التي يكون فيها الانسان مهيئ لطرح الأسئلة، لعل انشغالات العقل
تتدرج وفق ترتيب معين يبدأ بالنظرة الغرائزية للواقع المادي مع تجاهل تام
لمسبباته، غاياته، حدوده و علله، و ينتهي بالفضيلة و السعي وراء الحكمة- الطريق
نحو الحكمة و ليس امتلاكها- متى ما تجاوز المستوى الأول من الوجود، حينها يصبح
الفرد مهيئ للتساؤل و النقد و انتاج المعرفة عبر صراع بين كل ما هو صوري و مادي
طبيعي في مسرح واعي يهيئه العقل - على الأقل معرفة الذات و التموقع الجغرافي و
الزمني-، و للعلة السابقة اصبح الانسان الحالي- لا باس في هدا التمهيد من اقحام
ارائي الشخصية حول انسان مرحلتنا باعتباري فردا منها- ماديا وضيعا غاية المادية و
الفراغ الذهني، صرعان ما يغدي هذا الفراغ فيروسات خفية تشوه اشكال الفكر عند
الانسان و اسسه الفطرية، ان هدا التدمير الممنهج للعقل ليس وليد الصدفة و انما
لطبيعة الاهتمامات التي يفرضها السياق- الوضع الاجتماعي...- على الانسان.
بافتقاره لسلاح العقل- او على الأقل اعلى وظائفه- غار الانسان في وحل
الجهل الذي يتجاوز الكتابة و القراءة و وظائف الحياة العصرية، و نسجت حوله خيوط
وهمية تنزله منزلة الحيوان في تعاطيه مع الطبيعة، موضوعات العلم و المعرفة و
الوجود بصفة عامة
بعد سقوط الحضارة اليونانية، كانت حضارة اخرى تسود و تبنى اسس متينة لمرحلة
ما بعد اليونان، ان خصائص الحضارة الاسلامية بتوفيرها العدل و الزهد في الحياة و
تجاوز حالة الطبيعة لدى الانسان المسلم، ولدت لدى المجتمع الاسلام تعطشا كبيرا
للعلم و المعرفة، و مسحت النافذة من غبار الجاهلية ليرى المسلم بوضوح قصوره و
افتقاره للمعرفة خارج داته و مجتمعه، فانكب العلماء على ترجمة المخطوطات اليونانية
و دراستها و تصخيرها لبناء مناهج علمية جديدة تتوافق و مناحي التفكير الاسلامي،
كان من ابرز العلماء اسهاما في ترجمة المعرفة اليونانية اسحاق ابن حنين، لم يكن
المنطق الارسطي يسير الفهم انداك، بل احتاج الى شرح و تعليق و تنظيم، فكان الكندي
اكتر المهتمين و المساهمين في شرح اعمال ارسطو الفلسفية و المنطقية على وجه
الخصوص، كما اهتم بايجاد توافق بين منطق ارسطو و الشريعة الاسلامية- باعتبار الدين
حينها المقياس و المرجع في كل الاعمال الفكرية و الحياتية- حيث اعتبر الكندي
ان المنطق اداة ضرورية لفهم الحقيقة و الوحي
اما الفرابي(ت.950 م)، فقد اخد علم المنطق الارسطي لبعد
اخر، من خلال تفسيرات و شروحات معمقة من خلال مؤلفه "القياس"، قام من
خلاله بتطوير مبدأ القياس عند ارسطو و صنفه الى قياس شعري، خطابي، بالضافة
لتحليلاته العميقة حول ربط المفاهيم المنطقة باللغة
نتيجة لمجهوداته الجبارة في إزالة العتمة عن الفلسفة الارسطية و إخراجها للعالم الإسلامي مفهومة، بسيطة لا تقبل التأويلات المتعددة نال لقب المعلم
الثاني- اللقب الذي سيطلق على ابن رشد فيما بعد لغزارة مؤلفاته و تفرعما
لقد أعطت اعمال ابن سينا (الفارسي)(توفي 1037 م) المنطق صيغة أخرى بهوية إسلامية متفردة عن المنطق الارسطي، كان ابن سينا عالما فذا منتميا للمنحى
النيو-افلاطوني الارسطي، تميز باتباع منهجية تتجاوز الشرح و التعليق، بل كان مفكر جريء لا يقبل التبعية، رفض الاجتهاد في شرح النص الارسطي دون نقده، و شدد على أهمية التحقيق و الشك و التقييم النقدي للآراء الموروثة، فأصبحت اعماله المرجع
الاول لكل المهتمين بعلم المنطق في تلك الحقبة
لقد عرفت فترة الفلسفة الإسلامية جدلا محتدما و تصادمات عنيفة بين المدارس الفكرية حيث ظهر الصراع
الارسطو-فالاطوني بحدة اكبر من الحضارة اليونانية ليشمل الصراع المدرسة النيو-افلاطونية الارسطية و مدرسة علم الكلام الإسلامي، و مدرسة ابن سينا
لينشب صراع بناء و هدم بين الفلاسفة و صل حد تحريم الفلسفة باعتبارها
علم ينافي الشرع و قيم الدين الإسلامي بتناولها موضوعات لا تتماشى و تعاليم
الشريعة و تبحت في مناطق حث الدين على الايمان بها دون اخضاعها لمقاييس العقل و
التفكير
فالف الامام أبو حامد الغزالي (ت.1111م) كتاب "تهافت
الفلاسفة" هاجم من خلاله الفلسفة و الفلاسفة لمخلفة الشريعة، فاعتبر هدا
العمل ضربة قاتلة للفلسفة نظرا لارتباط الانسان الإسلامي بالدين ارتباطا وجوديا
ليبرز بعدها في بلاد الاندلس عالما لا يقل أهمية عن سابقيه، ابن رشد
او averroes كما
يسميه الغرب(ت.1198م)، الذي اهتم ليركز اعماله على المنطق الارسطي نتج عنها شروحات
و مؤلفات اهتدى بها الغرب فيما بعد
كان لابن رشد الفضل في احياء الفلسفة من خلال كتابه "تهافت
التهافت" رد فيه على الامام الغزالي حول مسألة تحريم الفلسفة حيت ابدع ببرها
جميل و غاية في المنطقية برهن من خلاله على توافق الفلسفة و الشريعة الإسلامية حيت
قال: " الفلسفة بنت الشريعة و اختها الرضيعة، ما دام الدين يدعو للحق و
الفلسفة بحت عن الحق، و الحق لا يمكن ان يضاد الحق" ، ان هذا البرهان المنطقي
البسيط كان كفيلا باعادة احياء الفلسفة ليمهد الطريق لعصر جديد في القرن الثالث عشر
الميلادي، حيث كانت فترة دهبية لعلم المنطق مع علماء امتال فخر الدين
الرازي(ت.1210م)، في هده الفترة كان الفكر الإسلامي قد تجاوز مبادئ الاورغانون
كمبادئ تنظيمية و قدموا تصورا بديلا لعلم المنطق حيث صارت الكتابات تبدأ بتقسيم
العلم الى تصور(مواضيع معروفة) و تصديق( موضوعات يجب اتباتها)
في هده الفترة كان المنطق الإسلامي قد وصل الى اوج تفرده و استقلاله
عن المنطق الارسطي و الفلسفة بشكل عام بإدراجه في المدارس كمادة تدرس بانتظام، و
بداية ارتباطه بعلوم أخرى أهمها أصول الفقه و الكلام و النحو و البلاغة